• ٢٢ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٠ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

خطبة الرّسول الأكرم (ص) في استقبال شهر رمضان المبارك

خطبة الرّسول الأكرم (ص) في استقبال شهر رمضان المبارك

نطالع الكثير من الدّروس من خطبة الرّسول الأكرم (ص) في استقبال الشهر الفضيل المليئة بالرحمة والبركات الربانية المضاعفة، فهو من أفضل الشهور عند الله تعالى، في زمانه الذي خصّه الله بمزيد من القداسة والميزات، حيث يدعونا الله فيه إلى ضيافته الكريمة، وأن نكون من أهل كرامته.

فمن يكون ـ يا ترى ـ من أهل ضيافة الله وكرامته؟ إنهم المؤمنون المخلصون لله في كلّ أخلاقيّاتهم وسلوكيّاتهم، وفي قلوبهم وصدقهم ومشاعرهم، والله تعالى يدعونا بلطفه إلى أن نوفَّق بصيامنا لأن نهذّب إيماننا ونعمّقه، ونؤكّد ارتباطنا الفعليّ بالله تعالى. فعن أميرِ المؤمنين (ع) قال: «إنّ رسولَ اللهِ (ص) خطبنا ذاتَ يومٍ فقال:

«أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللهِ بِالْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ. شَهْرٌ هُوَ عِنْدَ اللهِ أَفْضَلُ الشُّهُورِ، وَأَيَّامُهُ أَفْضَلُ الأَيَّامِ، وَلَيَالِيهِ أَفْضَلُ اللَّيَالِي، وَسَاعَاتُهُ أَفْضَلُ السَّاعَاتِ. هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اللهِ، وَجُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللهِ. أَنْفَاسُكُمْ فِيهِ تَسْبِيحٌ، وَنَوْمُكُمْ فِيهِ عِبَادَةٌ، وَعَمَلُكُمْ فِيهِ مَقْبُولٌ، وَدُعَاؤُكُمْ فِيهِ مُسْتَجَابٌ، فَاسْأَلُوا اللهَ رَبَّكُمْ بِنِيَّاتٍ صَادِقَةٍ، وَقُلُوبٍ طَاهِرَةٍ، أَنْ يُوَفِّقَكُمْ لِصِيَامِهِ، وَتِلاوَةِ كِتَابِهِ، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ. وَاذْكُرُوا بِجُوعِكُمْ وَعَطَشِكُمْ فِيهِ، جُوعَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَعَطَشَهُ».

وما أجمل أن يعيش الإنسان معنى الصّدقة والعطاء للفقراء والمحتاجين! حيث يشعر بإنسانيته أكثر، ويمارس الرحمة مع النّاس، ويحفظ بصره وحواسّه عمّا حرّم الله تعالى، ليتعرّف أهميّة العفّة، وما أحلّه الله له من طيّب العيش. كما أنّ أبواب السّماء في هذا الشّهر مفتوحة، ودعاء العباد مستجاب، والدّعوة للإنسان قائمة حتى يستفيد من هذا الشّهر في طلب التّوبة والاستغفار، ويعقد العزم على خلوص النيّة والعمل لله، وصولاً إلى رحمته والقرب منه.

 

يقول الرّسول الأكرم (ص) في خطبته:

«وَتَصَدَّقُوا عَلَى فُقَرَائِكُمْ وَمَسَاكِينِكُمْ، وَوَقِّرُوا كِبَارَكُمْ، وَارْحَمُوا صِغَارَكُمْ، وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَاحْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ، وَغُضُّوا عَمَّا لا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ أَبْصَارَكُمْ، وَعَمَّا لا يَحِلُّ الاسْتِمَاعُ إِلَيْهِ أَسْمَاعَكُمْ. وَتَحَنَّنُوا عَلَى أَيْتَامِ النَّاسِ يُتَحَنَّنْ عَلَى أَيْتَامِكُمْ، وَتُوبُوا إِلَى اللهِ مِنْ ذُنُوبِكُمْ، وَارْفَعُوا إِلَيْهِ أَيْدِيَكُمْ بِالدُّعَاءِ فِي أَوْقَاتِ صَلاتِكُمْ، فَإِنَّهَا أَفْضَلُ السَّاعَاتِ، يَنْظُرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا بِالرَّحْمَةِ إِلَى عِبَادِهِ، يُجِيبُهُمْ إِذَا نَاجَوْهُ، وَيُلَبِّيهِمْ إِذَا نَادَوْهُ، وَيُعْطِيهِمْ إِذَا سَأَلُوهُ، وَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ إِذَا دَعَوْهُ. أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ أَنْفُسَكُمْ مَرْهُونَةٌ بِأَعْمَالِكُمْ، فَفُكُّوهَا بِاسْتِغْفَارِكُمْ، وَظُهُورَكُمْ ثَقِيلَةٌ مِنْ أَوْزَارِكُمْ، فَخَفِّفُوا عَنْهَا بِطُولِ سُجُودِكُمْ. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَقْسَمَ بِعِزَّتِهِ أَنْ لا يُعَذِّبَ الْمُصَلِّينَ وَالسَّاجِدِينَ، وَأَنْ لا يُرَوِّعَهُمْ بِالنَّارِ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ».

ويتابع رسول الله (ص) توجيهه لنا وتعليمه إيّانا على تحصيل الخير ونفقة البرّ والعمل الصّالح والتراحم والتّكافل وتلاوة كتاب الله والصّلاة على النبيّ وآله، حتى يغدو ميزاننا ثقيلاً عند الله يوم تخفّ الموازين، فلنسع كي نكون من أصحاب الموازين المثقلة عند الله تعالى في هذا الشّهر:

«أيها الناس! مَنْ فَطَّرَ مِنْكُمْ صَائِماً مُؤْمِناً فِي هَذَا الشَّهْرِ، كَانَ لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ الله عِتْقُ نَسَمَةٍ، وَمَغْفِرَةٌ لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ". قِيلَ: يَا رَسُولَ الله! فَلَيْسَ كُلُّنَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ - صلى الله عليه وآله-: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ. أَيُّهَا النَّاسُ! مَنْ حَسَّنَ مِنْكُمْ فِي هَذَا الشَّهْرِ خُلُقَهُ، كَانَ لَهُ جَوَازاً عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الأَقْدَامُ، وَمَنْ خَفَّفَ فِي هَذَا الشَّهْرِ عَمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، خَفَّفَ الله عَلَيْهِ حِسَابَهُ، وَمَنْ كَفَّ فِيهِ شَرَّهُ، كَفَّ الله عَنْهُ غَضَبَهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَمَنْ أَكْرَمَ فِيهِ يَتِيماً، أَكْرَمَهُ الله يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَمَنْ وَصَلَ فِيهِ رَحِمَهُ، وَصَلَهُ الله بِرَحْمَتِهِ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَمَنْ قَطَعَ فِيهِ رَحِمَهُ، قَطَعَ الله عَنْهُ رَحْمَتَهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَمَنْ تَطَوَّعَ فِيهِ بِصَلاةٍ، كَتَبَ الله لَهُ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرْضاً، كَانَ لَهُ ثَوَابُ مَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الشُّهُورِ، وَمَنْ أَكْثَرَ فِيهِ مِنَ الصَّلاةِ عَلَيَّ، ثَقَّلَ الله مِيزَانَهُ يَوْمَ تَخِفُّ الْمَوَازِينُ، وَمَنْ تَلا فِيهِ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ، كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ».

«أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ أَبْوَابَ الْجِنَانِ فِي هَذَا الشَّهْرِ مُفَتَّحَةٌ، فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لا يُغَلِّقَهَا عَنْكُمْ، وَأَبْوَابَ النِّيرَانِ مُغَلَّقَةٌ، فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لا يُفَتِّحَهَا عَلَيْكُمْ، وَالشَّيَاطِينَ مَغْلُولَةٌ، فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لا يُسَلِّطَهَا عَلَيْكُمْ».

قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليُّ بن أبي طالب (ع): "فَقُمْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، مَا أَفْضَلُ الأَعْمَالِ فِي هَذَا الشَّهْرِ؟، فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ! أَفْضَلُ الأَعْمَالِ فِي هَذَا الشَّهْرِ: الْوَرَعُ عَنْ مَحَارِمِ الله عزَّ وجلَّ. ثمُّ بكى، فقلتُ: يَا رسولَ اللهِ، ما يبُكيكَ؟ فقالَ: "يَا عليّ، أبكي لما يُستَحَلُ منكَ في هذا الشّهرِ، كأنّي بِكَ وأنتَ تُصلّي لربِّكَ، وَقَدْ انبعثَ أشقى الأوَّلينَ والآخرينَ، شقيقُ عاقرِ ناقةِ ثمود، فضربَكَ ضربةً على قرنِكَ فخضبَ منها لحيتَك". قالَ أميرُ المؤمنينَ (ع): فقلتُ: «يَا رسولَ اللهِ، وذلكَ في سلامةٍ من ديني؟»، فقالَ (ص): "في سلامةٍ من دينِك". ثمُّ قالَ: «يَا عليّ، مَنْ قَتَلَك فَقَدْ قَتَلَني، وَمَنْ أَبْغَضَكَ فَقَدْ أبغضني، وَمَنْ سَبّكَ فَقَدْ سَبّني، لأنّك مني كنفسي، روحُكَ مِنْ رُوحي، وطينُتك من طينتي. إنّ اللهَ تباركَ وتعالى خَلَقَني وإيّاكَ، واصطفاني وإيّاكَ، واختارني للنبوّةِ واختاركَ للإمامةِ، وَمَنْ أَنكَر إمامَتَكَ فَقَدْ أَنكَرَ نبوّتي. يَا عليّ، أنتَ وصيّي وأبو ولدي وزوجُ ابنتي وخليفتي على أمّتي في حياتي وبعد موتي، أمرُك أمري، ونهُيك نهيي. أُقسمُ بالذي بَعثَني بالنبوّةِ، وجعلني خيرَ البريّةِ، إنّكَ لحجّةُ اللهِ على خلقِهِ، وأمينِهِ على سرِّهِ، وخليفتِه على عبادِه».

أفضل الأعمال في شهر رمضان الورع عن محارم الله، حيث على الإنسان أن يعرف حدود الله فيلتزمها، ولا يعتدي على النّاس وأعراضهم وحقوقهم وأماناتهم، ولا يتجرّأ على النفوس والأعراض، بل يعيش كلّ قيمة ومعنى يتقرّب بهما الى الله، ويصنع مصيره الّذي يرتضيه الله في الدّنيا والآخرة.

ندعو الله تعالى أن يوفّقنا في صيام هذا الشّهر الكريم وقيامه وإحيائه بالمحبّة والرّحمة والتكافل، وتمتين علاقاتنا الأسريّة والاجتماعيّة، بما يؤكّد إنسانيّتنا وإيماننا الفعليّ في كلّ ساحات الحياة، وأن يثبّتنا على دينه وولاية نبيّه الكريم وآله الأطهار.

ارسال التعليق

Top